من حيثُ نعلم أو لا نعلم، نبحرُ في آفاقٍ واسعةٍ وفضاءاتٍ لا متناهية، لنفتّشَ عن غائب هو بين أيدينا، نجهلُ كنههُ مع شدّة مساسنا له، لا نعرفهُ كشخصٍ، غير أنّنا ندرك أهميّتهُ في حياتنا... إنّهُ الفكر الذي يشحّ مختبئاً عندما تتكالبُ علينا الأفكار، وتشتُ بنا دروب الثقافات.
نفِرّ إلى الأفقِ أحياناً محملقينَ في السماء إلى خطّ لانهائيّ، نحاولُ مدركينَ نهايةً فاشلةً لا تُوصِلنا إلى حدّ الأفق، جاهلينَ أنّ بين أنفسنا آفاقا أرحب -ربّما من السماء- نهجرها باحثين عن آفاقِ غيرنا، وننسى أنّنا نحنُ الذينَ ندركُ ماذا نريدُ بالتحديد!!.قد نفاجأ بالفشل في حياتنا، وقد ننجح، وما هذا وذاك إلا لسوء التخطيط أو حسنه، هكذا نرتكب ُالخطأ ونكلهُ إلى شمّاعة الأخطاء.
الحياةُ الزوجيّة مشروعٌ طويل يبدأ بفكرةٍ كأيّ مشروع ٍحقير كان أو عظيم، غير أنّ هذا المشروع ممتدّ المدى المتفرّع قد لا يحظى بالإهتمام الذي يحظى بهِ مشروعٌ تافهٌ، كالسفر إلى الخارج أو إفتتاح دكّان في زاويةٍ صغيرة من الأرض!!. فهذه المشاريع الصغيرة الوقتيّة تشملها دراسة دقيقة، وتلاقي جزئيّاتها المجزّأة إسهاباً في الحديث والمشاورات والتخطيط.. وقد تشملها إستفتاءات عريضة، وقد تؤجّل حتّى إستنفاذ بنود الدراسة!! وعذر التأجيل هو الرغبة في النجاح، هذا على صعيد المشاريع الصغيرة، أمّا على الصعيد الآخر فممّا يبعث العجب الإستعجال في المشاريع الممتدّة، وهشاشة دراستها إذا شملتها دراسة!! وإنعدام الإستفتاء فيها!! والإكتفاء بالقوالب دون التمحيص.
إنّ إمعان النظر في مشاريع الزواج يبعثُ الحيرة والضحك، فالشابّ يقتصر في إنتقائهِ على قالب المرأة دون التدقيق فيما ينطوي عليه ذاك القالب، وكذلك المرأة، فبعد أن سألت عدداً لا بأس به عن الصورة التي تضعها لفارس الأحلام، وجدتهنّ يُعدّدن صفاتٍ إجتمعن على محدوديّتها، وكلّها مظاهر هشّة كالشكل والمركز والراتب والبيت، و..و..، دون التطرّق لغير ذلك، أمّا من ناحية الشابّ فنجد أقلّ القليل هم الذين يتطرّقون إلى المضمون، في حين يقتصر البقيّة على الطول واللون والعائلة فقط!!!.
ليس بإمكاننا أن نوكل هذه النظرة المسطّحة إلاّ إلى أثر الإعلام بصورهِ المزيّفة وأضوائهِ اللامعة على هذا الجيل، وأثر طغيان حياة المادّة علينا أيضاً، نعم، من حقّ كلّ طرف أن يقترح ما يريد في شريكهِ، متذرّعاً بحديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «تنكح المرأة لأربع...» متفق عليه، متناسين آخره أو غافلين عنه.
نعجبُ من كثرة الطلاقات وإرتفاعها، وتشتّت الأسر ونزاعها.. وننسى أنّ المشروع في أُساسهِ فاشل، الأساس الغضّ لا يحتمل إمتداد الحياة ببنائها الثقيل، ثمّ إنّ سوء التصوّر أو قصورهِ في أذهان أبناء الحضارة هادمٌ أيضاً، فكثيرٌ من الشباب يندفع إلى الزواج لينصدم بعد عدّة أشهر بثقل المسؤوليّة التي ما وكّل إليهِ عشرها وهو أعزب، وإنقلاب الإسترخاء إلى شدّ وتكليف يجعلهُ ينسحب من البداية، فلا ضرورة لإمتداد هذا الثقل أكثر من عدّة أشهر! والحديث شامل للفتاة أيضاً، فكيف لفتاةٍ لم تحمل مسؤوليّة نفسها أو خزانتها أن تحمل مسؤوليّة بيتٍ مع صاحبهِ، إنّ هذا أقرب إلى الهراء، وما تسمّيهِ حريّةً أقرب إلى نفسها طبعاً.
أن يكون من جانب الشابّ أكثر منه من جانب الفتاة، فأولياءُ الفتاة تبعثهم فطرتهم وولايتهم إلى السؤال والتقصّي عن شريك إبنتهم في حياتها، أمّا الشابّ يكتفي بالنظر إلى قالبها من دون السؤال عن صفاتها وسبر أغوارها، وقد يدفعهُ الإغترار بالمظهر إلى ذلك، والأهل يجعلون رأي إبنهم عينا في الإعتبار، فيبحثون عن الشكل تلبية لمطلب إبنهم بعيدين كل البعد عن المضمون، وهنا يأتي دور من يسيّر المشروع ويجمع بين أطرافه.
ما المانع مثلاً أن تمتدّ الخطبة وتتعرّف الأمّ أو الأخت على الفتاة وتقابلها وتعرفها عن قرب، وتخرج وتجلس معها لتنظرها على كلّ الأحوال، فإن تعذّر ذلك فلا مانعَ من الصراحة والصدق وقول ما يتمنى الشاب من صفاتٍ معنويّة في شريكتهِ، وما تتمنّى الشابّةُ كذلك، فإن وجدت في نفسها العجز عن تلبية ما يطمح إليه من معنويات ينتهي المشروع بلا صدام أو إهانة، أو هدم أو ضحايا بريئة، فالتراجع عن بناء البيت أسهل بكثير من هدمهِ بعد ما صار صرحا.
لاشكّ أن مؤشّر الطلاق سيظلّ في إرتفاعٍ ما بقيت آفاقنا ضيّقة عن بحث المشاريع الممتدّة.
¤ لفتة..
ستنامُ نفسُكَ إذا جهلتَ أنّها بين جنبيكَ عالمٌ بأسرهِ... عندها فقط ستفقد كل شيء!!.
الكاتب: منيرة السيف.
المصدر: موقع رسالة المرأة.